مستقبل التمويل
المستدام والاقتصادات
الخضراء في منطقة الشرق
الأوسط وشمال إفريقيا‎

 دور الاستدامة في دفع عجلة النمو والتنمية

مقدمة

لقد أصبح تحول العالم نحو نهاية عصر الهيدروكربونات حقيقة واقعة تلوح في الأفق، على الرغم من أن وتيرة وطبيعة التحول إلى الطاقة المتجددة لا تزال تتشكل. من المنظور المناخي، يحتاج العالم إلى هذا التحول بأسرع ما يمكن. لكن بينما يقف الرأي العام العالمي مؤيدًا لتغير سريع، اليوم قبل الغد، يتضح أن آليات تحقيق هذا التغير سوف تكون مليئة بالتعقيدات، وسوف تتطلب وقتًا.

تطرح الدول المستهلكة والمنتجة للهيدروكربونات وتنفذ مجموعة من السياسات لخفض انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري بما يتماشى مع الالتزامات التي تعهدت بها في الاجتماعات المتعاقبة لـ"مؤتمر الأطراف"، والخاصة بالوصول إلى صافي انبعاثات صفري، وفي الوقت نفسه تبذل جهودًا كبيرة لتحويل اقتصاداتها إلى "اقتصادات خضراء" . عادة ما تتفاوت استراتيجيات خفض الانبعاثات بين الدول المنتجة والمستهلكة، خاصة عندما يتعلق الأمر باعتماد الاقتصادات المنتجة على الإيرادات المتأتية من الموارد الهيدروكربونية بدرجة كبيرة. وعلى الرغم من الجهود الرامية لتنويع مصادر الاقتصاد، إلا أن دول الخليج العربي لا تزال تعتمد بقوة على صادرات النفط والغاز في اقتصاداتها، ولسوف يظل المصدر الرئيس للإيرادات على مدار عقود قادمة.

واتخذت الدول الخليجية عدة إجراءات على مدار العقد الماضي ليس فقط لتنويع اقتصاداتها، ولكن أيضًا لتحويلها إلى اقتصادات خضراء على النحو المبين في الشكل رقم (1). وشملت هذه الإجراءات السياسات والتدخلات الرامية لدعم اعتماد بنية تحتية مستدامة على مستوى المنطقة، وتوفير بيئة تمكينية لتشجيع التمويل المستدام، إضافة، بالطبع، إلى تطبيق الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة . كما اتبعت بلدان أخرى مجاورة في المنطقة مسارًا مماثلاً ولكن ربما بقدر أقل من الترويج، كما هو الحال مع مصر والأردن والمغرب.

دشنت المملكة العربية السعودية والإمارات مشروعات ضخمة رائدة، بما في ذلك "نيوم" و"مصدر"، تهدف إلى إظهار التزامهما بالتحول نحو مستقبل أخضر، إلى جانب إبراز طموحاتهما في تحقيق قفزة نوعية في الاقتصادات الصناعية التقليدية القائمة على الهيدروكربونات. وفي حين أن الدول الخليجية الغنية قد تكون في وضع أفضل نسبيًا لتسريع وتيرة تحولاتها نحو الطاقة النظيفة نظرًا لما تتمتع به من مزايا طبيعية، مثل سطوع أشعة الشمس لساعات أطول، وقلة الكثافة السكانية، وصناديق الثروة السيادية الكبيرة، والقدرة على وضع السياسات واتخاذ التدابير اللازمة بدون معارضة تُذكر من الرأي العام، إلا أنها ستظل مقيدة بالاعتماد على صادرات النفط والغاز.

يقدم هذا التقرير لمحة عن المساعي المبذولة والرامية إلى تحويل اقتصادات كل من دول الخليج العربي ومصر والأردن والمغرب نحو الاقتصاد الأخضر. وقد اقتصر إعداد هذا التقرير على تلك الدول فقط نظرًا لتوفر بيانات عنها قياسًا إلى غيرها، وليس بهدف استبعاد متعمد لغيرها من الدول.

كما سوف نوضح أدناه، تظل تعريفات الاقتصاد الأخضر مرنة ومتقلبة ويمكن أن تتغير كثيرًا وفقًا لتفاصيل وظروف كل دولة تتبع هذا النهج. وفي أفضل الأحوال، يعتبر مفهومًا شاملًا يسري على كل الجوانب الاقتصادية للدولة. غير أن تعريفات "الاقتصاد الأخضر" تختلف بحسب الدولة والمنطقة، كما تختلف العناصر التي تدرجها تلك المنطقة أو الدولة في استراتيجياتها المتعلقة بالاقتصاد الأخضر. ولقد أجرت "المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام" مراجعة مستفيضة للاستراتيجيات التي جرى تدشينها في البلدان التي يغطيها هذا التقرير. وخلصنا إلى أن الطريقة الأكثر كفاءة ودقة لتعريف "الاقتصادات الخضراء" تستدعي النظر إلى مكونين أساسيين، ألا وهما: التمويل المستدام والبنية التحتية المستدامة.

القسم الأول: الاقتصادات الخضراء

يُعرِّف برنامج الأمم المتحدة للبيئة "الاقتصاد الأخضر" بأنه اقتصاد منخفض الكربون وفعّال في استخدام الموارد وشامل اجتماعيًا. ويحقق الاقتصاد الأخضر الرخاء والرفاه مع الحفاظ على النظم الطبيعية التي تساعد على استدامة البشرية، وينأى بعيدًا عن سلوكيات الإنتاج والاستهلاك التي تشكل عبئًا غير متناسب على البيئة. وقد اعتُمد هذا المفهوم كأولوية استراتيجية للحكومات والمنظمات حول العالم، إذ يدرك القادة –والمجتمعات- أن النظم والعمليات الاقتصادية الحالية لا تتوافق مع أهداف التنمية على المدى البعيد.

ويتضمن برنامج أعمال الاقتصاد الأخضر مجالات البيئة والاقتصاد، ويسير جنبًا إلى جنب التنمية المستدامة. ويركز على الاستفادة من الإنفاق العام المستهدف، والإصلاحات السياسية، والتغييرات في الضرائب واللوائح التنظيمية لدعم الاستثمار الأخضر، الذي يمكّن، بدوره، من تحقيق النمو الاقتصادي المستدام. لذا، يستخدم صناع السياسات والمحللون والممارسون المعنيون مصطلحي "الاقتصاد الأخضر" و"الاقتصاد المستدام" بالتناوب كثيرًا لإيصال نفس المعنى.

تتعدد التعريفات وأطر العمل المرتبطة بالاقتصاد الأخضر؛ إلا ان المفهوم المتفق عليه بدرجة كبيرة هو أن الاقتصاد الأخضر يمنح الأولوية لتنمية الأنشطة الاقتصادية والبنية التحتية والأصول -من خلال الاستثمارات العامة والخاصة على حد سواء- التي تمكّن من خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والحد من معدلات التلوث، وتعزيز كفاءة استغلال الطاقة والموارد، والحفاظ على المنظومة البيئية وتنوعها لضمان استبقاء الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. كذلك، ثمة إجماع على أن الاقتصادات الخضراء تركز على المهارات والتوظيف والتأثير الاجتماعي الإيجابي للبيئة، فضلاً عن أهمية صحة الإنسان ورفاهيته.

وتركز "المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام" على عنصرين رئيسيين فقط من عناصر الاقتصادات الخضراء، ألا وهما: التمويل والبنية التحتية. يتطلب "تخضير" الاقتصادات موارد مالية هائلة لتلبية متطلبات تمويل المستجدات التقنية، مثل الشبكات الكهربائية الذكية، ومصادر الطاقة المتجددة، وكهربة النقل والمباني المؤهلة لاستخدام الطاقة بكفاءة. كما تتطلب تلك الاقتصادات نهجًا مبتكرًا لتطوير بنية تحتية جديدة، وتكييف البنية القائمة مع المستجدات، لتلبية الاحتياجات المتغيرة للمجتمعات. ومثلما أشرنا أعلاه، تتمتع دول الخليج العربي بوضعية مناسبة تؤهلها لتخضير اقتصاداتها وإدارة برنامج التحول نحو الطاقة النظيفة، إلا أن وتيرة وتسلسل تنفيذ كلتا العمليتين سيكونان حاسمين لتحقيق النجاح المستهدف. ومن المجالات التي بدأت تلك الدول إحراز تقدم فيها، مجال التمويل المستدام.

القسم الثاني: التمويل المستدام

تمثل السندات الخضراء جانبًا رئيسيًا من جوانب التمويل المستدام. وهي تمول المشروعات التي تدعم تنمية الطاقة، والإدارة المستدامة للموارد، ووسائل النقل النظيفة، والتكيف مع التغيرات المناخية. كما أنها تمول المشروعات ذات الصلة بالحفاظ على التنوع البيولوجي، والوقاية من التلوث أو التخفيف منه. ويمكن للمستثمرين الباحثين عن تعزيز أوراق اعتمادهم البيئية شراء هذه السندات بعائدات مرتبطة مباشرة بمشروعات خضراء أو مشروعات اجتماعية محددة.

تشمل الفئات المماثلة من السندات والقروض الخضراء: السندات المرتبطة بالاستدامة (SLBs)، والقروض الخضراء، والقروض المرتبطة بالاستدامة (SLLs). وتستهدف “السندات المرتبطة بالاستدامة” ممارسات الأعمال المستدامة، وتُوجَّه عوائدها إلى القدرات المؤسسية العامة من أجل تحقيق أهداف المناخ أو الاستدامة، بدلاً من تخصيصها لمشروعات محددة ذات صلة بالاستدامة. كما تمثل مزيجًا من السندات الاجتماعية والخضراء، إذ توجَّه عائدات السندات الاجتماعية إلى تمويل المشروعات التي تعالج أو تنهض بقضايا اجتماعية محددة.

تمثل السندات الخضراء جانبًا رئيسيًا من جوانب التمويل المستدام. وهي تمول المشروعات التي تدعم تنمية الطاقة، والإدارة المستدامة للموارد، ووسائل النقل النظيفة، والتكيف مع التغيرات المناخية. كما أنها تمول المشروعات ذات الصلة بالحفاظ على التنوع البيولوجي، والوقاية من التلوث أو التخفيف منه. ويمكن للمستثمرين الباحثين عن تعزيز أوراق اعتمادهم البيئية شراء هذه السندات بعائدات مرتبطة مباشرة بمشروعات خضراء أو مشروعات اجتماعية محددة.

تشمل الفئات المماثلة من السندات والقروض الخضراء: السندات المرتبطة بالاستدامة (SLBs)، والقروض الخضراء، والقروض المرتبطة بالاستدامة (SLLs). وتستهدف "السندات المرتبطة بالاستدامة" ممارسات الأعمال المستدامة، وتُوجَّه عوائدها إلى القدرات المؤسسية العامة من أجل تحقيق أهداف المناخ أو الاستدامة، بدلاً من تخصيصها لمشروعات محددة ذات صلة بالاستدامة. كما تمثل مزيجًا من السندات الاجتماعية والخضراء، إذ توجَّه عائدات السندات الاجتماعية إلى تمويل المشروعات التي تعالج أو تنهض بقضايا اجتماعية محددة.

وفي حين أن السندات الخضراء، والقروض الخضراء، والسندات والقروض المرتبطة بالاستدامة بدأت في الانطلاق على مستوى العالم، لا يزال القطاع جديدًا نسبيًا ويتطلب المزيد من التطوير والتنظيم. كذلك يتطلب الأمر مزيدًا من الشفافية أمام المستثمرين، من أجل ضمان تخصيص الأموال للمشروعات الخضراء. كما أن نسب النجاح والأثر الفعلي للخطط البيئية والاجتماعية لا تزال موضع تساؤل. وتتمثل العقبة الأخيرة في وضع "مستهدفات أداء استدامة" واضحة وذات معنى، وتصميم مقياس دقيق لنجاحها وتنفيذها، تستطيع الأطراف الخارجية مراجعته وفحصه. مع ذلك، لا تزال هذه العملية قيد التنفيذ ولم تصل الأطراف المختلفة بعد إلى توافق في الآراء.

ومنذ أصدر "بنك الاستثمار الأوروبي" أول سندات خضراء في عام 2007 – بقيمة نحو 807 ملايين دولار – ظلت سوق السندات الخضراء تتوسع؛ وقُدرت قيمتها بـ 1.1 تريليون دولار بنهاية عام 2021. وسُجّل ما يقرب من 1500 جهة مُصدرة في نهاية عام 2021، بنسبة زيادة قدرها 50% عن نهاية عام 2020، حيث لم تتجاوز قيمة السوق عندها 290 مليار دولار. وتبرهن معدلات النمو الهائلة تلك على الاهتمام الكبير من جانب المستثمرين والشركات بدعم المبادرات في مجال الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة.

التمويل المستدام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

يتزايد الاهتمام بالاستثمار والتمويل الأخضر في أرجاء الشرق الأوسط بما يتفق مع التوجهات العالمية. غير أن نجاحه سوف يعتمد على تعزيز بيئة تمكينية؛ ولن تتشكل تلك البيئة إلا من خلال عوامل مثل تعهدات الاستدامة الوطنية، واستراتيجيات التمويل، ومعايير إعداد التقارير المالية، والإفصاح المالي عن معايير المخاطر المناخية، ومعايير منتجات الاستثمار المستدام.

لقد شهد التمويل المستدام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا معدلات نمو مذهلة على مدار السنوات الأخيرة على النحو الذي يستعرضه التقرير أدناه. غير أن الشكل رقم (2) يوضح المدى الذي وصلت إليه عمليات التمويل المستدام في دول مثل الولايات المتحدة والصين وألمانيا وفرنسا، التي تبدو منطقة الخليج متأخرة كثيرًا مقارنة بها. على سبيل المثال، أصدرت فرنسا في عام 2021 سندات مستدامة بقيمة 52,730 مليون دولار مقارنة بـ 10,030 مليون دولار في دول مجلس التعاون الخليجي. وبلغت قيمة أكبر صفقة في ألمانيا 7,292 مليون دولار بينما بلغت قيمة أكبر صفقة في دول مجلس التعاون الخليجي 2,500 مليون دولار.

الشكل رقم (2):
الطرح العالمي المستدام للسندات 2021 (مليار دولار)

المصدر:
التمويل البيئي، رؤية بشأن السندات المستدامة 2022 وبيانات التمويل البيئي

الشكل رقم (3): أسواق إصدار السندات الخضراء لعام 2021 (بالمليون دولار)

السندات المستدامة
أصدرت منطقة الخليج أولى سنداتها الخضراء في عام 2017، غير أنها لا تزال متأخرة بالنسبة لغيرها من الأسواق في العالم. ولم يصدر إلا سند سيادي أخضر واحد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا –أصدرته مصر في عام 2020 بقيمة 750 مليون دولار- بينما يكاد إصدار السندات أن يكون حكرًا، حتى الآن، على المؤسسات المالية. لم تصل السوق بعد إلى مرحلة النضج حيث تتنوع الجهات المصدرة، بين مؤسسات سيادية، ومؤسسات عابرة للحدود، وبلديات، ومؤسسات مالية، ووكالات، وشركات.

وتعتبر قيمة أسواق إصدار السندات الخضراء في دول الخليج العربي ضئيلة مقارنة بأبرز الجهات الفاعلة المشاركة في السوق منذ عام 2007. على سبيل المثال، يوضح الشكل رقم (3) أن قيمة إصدارات السندات خلال عام 2021 في الولايات المتحدة بلغت 83,587 مليون دولار، وبلغت 58,336 مليون دولار في ألمانيا، بينما لم تتجاوز 9,896 مليون دولار في دول الخليج العربي مجتمعة.

غير أن قيمة إصدار السندات الخليجية شهدت ارتفاعًا ملحوظًا بين عامي 2017-2021، حيث ارتفعت من 587 مليون دولار في عام 2017 إلى 9,821 مليون دولار في عام 2021، وهو مايشير إلى ارتفاع معدلات نمو السوق بحوالي 16 ضعفًا في غضون ثلاث سنوات.

هيمنت السندات الخضراء على سوق منطقة الشرق الأوسط حتى ظهور "السندات المرتبطة بالاستدامة" (SLBs) لأول مرة في عام 2020. في ذلك العام، أُصدرت سندات خضراء بقيمة 1,996 مليون دولار، فضلاً عن سندات مرتبطة بالاستدامة بقيمة 1,350 مليون دولار. مع ذلك، تجاوزت قيمة السندات المرتبطة بالاستدامة قيمة السندات الخضراء في عام 2021 لتصل إلى 7,509 مليون دولار مقابل 2,311 مليون دولار للأخيرة. وبينما شهدت سوق السندات نموًا عامًا في عام 2021، إلا أن السندات المرتبطة بالاستدامة تجاوزت قيمة السندات الخضراء بمقدار ثلاثة أضعاف. لا يزال من المبكر للغاية تقدير العوامل المسببة لهذا الانتشار المتزايد، إلا أن التفسير الأرجح هو أن السندات الخضراء مطلوبة لتمويل مشروعات المناخ أو المشروعات الخضراء بشكل مباشر، في حين يمكن استغلال السندات المرتبطة بالاستدامة لأغراض أوسع نطاقًا. فعلى خلاف السندات الخضراء، تستهدف السندات المرتبطة بالاستدامة قاعدة أكبر من المستثمرين وتتمتع بخصائص مالية أو هيكلية تتفاوت بحسب ما إذا كانت الجهة المُصدرة تستوفي بعض "مؤشرات الأداء الرئيسية"(KPIs) المحددة مسبقًا، والتي يتم تقييمها قبالة "مستهدفات أداء استدامة" معينة. ويمكن استخدام السندات المرتبطة بالاستدامة للتطبيق في إطار بيئة مؤسسية عامة أو لأغراض أخرى؛ وبالتالي، فإن استخدام عائدات السندات (UoP) ليس من العوامل التي تحدد تصنيفها كسندات مرتبط بالاستدامة. وفي حال إصدار سند مرتبط بالاستدامة، تلتزم الجهة المُصدرة بإدخال تحسينات على مخرَجات الاستدامة لأعمالها ضمن إطار زمني متفق عليه مسبقًا. لذلك، تُعد السندات المرتبطة بالاستدامة أدوات استشرافية قائمة على الأداء، وعلى الرغم من ارتباطها بالاستدامة يمكن وصفها بأنها "خضراء إلى حد ما" "green-lite".

وبالنظر إلى أن سوق السندات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا يزال في مرحلة التطور، فلا عجب أن نجد عددًا أقل من مًصدري السندات قياسًا إلى الأسواق الأكثر نضجًا. في الماضي، كانت المؤسسات المالية والحكومات البلديّة تسيطر على أسواق السندات العالمية، غير أن تحولًا ملحوظًا ظهر باتجاه المؤسسات والشركات العابرة للحدود، والتي تستحوذ حاليًا على ما يقرب من ثلثي السوق. كما أصبحت الجهات السيادية المُصدرة شريكة بارزة منذ عام 2020، حيث تشكل حاليًا نحو 10% من إجمالي السوق. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تعد الشركات الكبرى من أكبر الفاعلين في مجال الإصدار، حيث تمثل نسبة 38% من حصة إصدار السندات، تليها المؤسسات المالية بنسبة (29%). والأرجح أن جهات الإصدار سوف تبدأ في مواكبة التوجهات العالمية، في حال قامت الحكومات الإقليمية بتهيئة بيئة أكثر تمكينًا ورُبطت جهود التحول إلى اقتصادات الخضراء بمشروعات خضراء محددة.

الشكل رقم (5): السندات الخضراء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحسب فئة جهة الإصدار بين عامي 2018-2022

الشكل رقم (6) مؤشرًا شديد الوضوح على أن استخدامات العائدات في إجمالي السندات الصادرة منذ عام 2017 قد تم الالتزام بها لجميع الفئات الأربع، إلا أنها تركزت في الغالب في المشروعات البيئية والمناخية (89%) سواءً في مصادر الطاقة المتجددة، أو رفع كفاءة استخدام الطاقة، أو الوقاية من التلوث ومكافحته. ويبلغ معدل استخدام عائدات السندات الاجتماعية-الذي يشمل مشروعات في مجال التطوير والتمكين الاجتماعي والاقتصادي؛ وتوفير الخدمات الأساسية؛ والإسكان ميسور التكلفة، وبنية تحتية مصرفية تقدم خدمات ميسرة، وخلق فرص عمل من خلال تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتمويل متناهي الصغر –ما نسبته 11%، بينما يسجل استخدام عائدات سندات الاستدامة والسندات الزرقاء نسبة ضئيلة لا تتجاوز 1%.

القروض المستدامة
أصدرت منطقة الخليج أول قروضها المستدامة في عام 2018. وقد ارتفعت قيمة القروض المستدامة من 2,075 مليون دولار في عام 2018 إلى 2,690 مليون دولار في عام 2019، قبل أن تنخفض إلى 1,092 مليون دولار في عام 2020 وتصل إلى 9,706 مليون دولار في عام 2021. كما ارتفعت قيمة القروض المستدامة بنسبة خمسة أضعاف بين عامي 2017-2021، الأمر الذي يعد مؤشرًا واضحًا على أن سوق التمويل المستدام تتوسع بوتيرة متسارعة. وفي حين تظل معدلات النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بطيئة جدًّا مقارنة بغيرها من المناطق، فهي تشهد تسارعًا، كما تتحرك حكومات تلك المنطقة بسرعة لتعزيز بنية التمويل المستدام في بلادها.

ويوضح الشكل رقم (8) أن الانتشار بين القروض المستدامة يتبع نفس اتجاه سندات الاستدامة، إذ بدأت قيمة نمو القروض المرتبطة بالاستدامة تتخطى قيمة القروض الخضراء. غير أن هذه الزيادة لم تتضح حتى عام 2021، بعد أن حققت القروض المرتبطة بالاستدامة ظهورًا متواضعًا للغاية في عام 2019، وتراجعت في عام 2020 مع تراجع القروض الخضراء -استجابة لتداعيات الجائحة العالمية- ثم عاودت الارتفاع مرة أخرى. ولم تُسجل أي قروض مرتبطة بالاستدامة في عام 2022 إلى الآن، وبالتالي يصعب تحديد التوجه العام. مع ذلك، وبالنظر إلى أن القروض المرتبطة بالاستدامة تتشارك مع السندات المرتبطة بالاستدامة في اتساع نطاقها، فمن المرجح أن تتجاوز القروض الخضراء في غضون السنوات القليلة المقبلة.

جاء مقترضو القروض الخضراء بين عامي 2018-2022 من 10 قطاعات مختلفة، وكانت القطاعات الثلاثة الأكثر أهمية بحسب القيمة: القطاع المالي (18%)، وقطاع الطاقة المتجددة (17%)، والقطاع العقاري (17%). وتجدر الإشارة هنا إلى أن قطاع الطاقة غير المتجددة وقطاع النقل العام وقطاع المرافق تمثلت بنسبة 9% لكل منها.

الشكل رقم (9): القروض الخضراء في منطقة الشرق الأوسط إفريقيا ، في عام 2018 (بالنسبة المئوية)

يعمل استخدام عائدات القروض المستدامة بالطريقة نفسها التي يعمل بها استخدام عائدات السندات المستدامة. ويتعين توجيه عائدات القرض الأخضر إلى المشروعات الخضراء. كما ينبغي أن توفر جميع المشروعات الخضراء المحددة منافع بيئية واضحة يجري تقييمها وتقديرها وقياسها وإعداد تقارير عنها. غير أن القروض المرتبطة بالاستدامة تحفز المقترضين على تحسين الاستدامة في مدة القرض من خلال تحقيق مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) المتفق عليها مسبقًا فيما يتعلق بالممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG).

ويبين الشكل رقم (10) -الذي يوضح بالتفصيل استخدام عائدات القروض الخضراء بين عامي 2018- 2022- أن المباني الخضراء ومشروعات الطاقة المتجددة كانت أكبر المستفيدين من القروض (75٪)، بينما حصلت الإدارة المستدامة للمياه، والحفاظ على التنوع البيئي، والنقل النظيف على نسبة 8% لكل منها.

الشكل رقم (11): عدد المبادرات الخضراء في دول مجلس التعاون الخليجي بين عامي 1995-2019

القسم الثالث: البنية التحتية المستدامة

عندما ننظر إلى تعريف البنية التحتية المستدامة والبنية التحتية الخضراء، يتضح لنا أن تعريفات مفهوم البنية التحتية المستدامة قابلة للتطبيق على مستوى العالم، بينما تعريفات البنية التحتية الخضراء قد صيغت في مناخات معتدلة، تشيع فيها الأنهار والجداول والقنوات المائية، لا في البيئات القاحلة ذات الطبيعة القاسية. غير أن هذا التقرير يستخدم كلا المصطلحين بالمعنى نفسه، منتبهًا إلى ما أظهرته حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من طموح جليّ لاستحداث بنية تحتية خضراء في مدن جديدة تشهد تطورات متسارعة. ولهذا، تعتبر البنية التحتية الخضراء عنصرًا حيويًا في سياسات التخطيط، لا سيّما والحكومات تعمل على الوفاء بالتزاماتها بموجب الأطر الدولية، مثل مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021 (COP26) واتفاقية باريس. وتساعد المتغيرات الحاصلة في السياسات العامة والقرارات الاستثمارية الخاصة في ضمان قبول اعتبارات اختلافات المناخ والبيئة، والاعتراف بأنها عوامل مهمة في تطوير كافة القطاعات الاقتصادية. وقد انعكست هذه الحقيقة في هيئة مجموعة من المبادرات الخضراء التي أطلقتها حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا سيّما منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أعلنت الحكومات الإقليمية وطرحت سلسلة من المبادرات الرئيسية التي تهدف إلى المساعدة في تنويع اقتصاداتها ومواجهة التحدي المتزايد المتمثل في تغير المناخ. ووفقًا لذلك، نستطيع تمييز الاتجاه نحو زيادة عدد المشروعات المستدامة الرئيسية ونطاقها. ويبين الشكل رقم (11) ارتفاع عدد المبادرات، من 11 مبادرة في الفترة بين عامي 2005-2009، إلى 18 مبادرة في الفترة بين عامي 2015-2019. وقد تعزز هذا الاتجاه منذ عام 2020 استجابة لزيادة وتيرة وكثافة الفعاليات المناخية، وتداعيات جائحة فيروس كورونا، ومؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021 (مؤتمر الأطراف COP26). وبالنظر إلى أن مصر والإمارات العربية المتحدة سوف تستضيفان مؤتمري COP27 وCOP28 في 2022 و2023 على التوالي، فسوف توضع المبادرات الخضراء على رأس أولويات السياسات الإقليمية خلال مرحلة حرجة في تاريخ المناخ.

ثمة اتجاه واضح آخر يتمثل في توسيع نطاق المبادرات الخضراء، التي بدأت بطموحات متواضعة نسبيًا مسترشدة ربما بالعوامل الاقتصادية لا البيئية. على سبيل المثال، أطلق مجلس أبوظبي للتخطيط العمراني في عام 2008 برنامج “استدامة” بهدف تحقيق الاستدامة الوطنية من خلال استهداف المناطق والمباني السكنية، والجهات الحكومية، والقطاع التجاري. وفي عام 2011، أصبحت “مواصفات المباني الخضراء في دبي” إلزامية للمباني الحكومية الجديدة. وفي عام 2012، أطلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مبادرة “استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء”. ومنذ عام 2015، تنامت طموحات الدول الإقليمية بشكل كبير، ما يعكس بدوره الطابع المُلح لمشكلة التغيرات المناخية ومدى أهميتها على الساحة العالمية. على سبيل المثال، أطلقت شركة قطر للطاقة استراتيجيتها الجديدة للاستدامة في عام 2021، والتي تحدد عدة أهداف تتماشى مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ. وتنص الاستراتيجية على تنفيذ مرافق مخصصة لاحتجاز وتخزين الكربون المنبعث تعمل على التقاط أكثر من 7 ملايين طن سنويًا من ثاني أكسيد الكربون في قطر. وتحدد الاستراتيجية توجهًا واضحًا نحو خفض كثافة الانبعاثات الكربونية من مرافق الغاز الطبيعي المسال في قطر بنسبة 25%، ومن منشآت التنقيب وإنتاج الغاز الطبيعي بنسبة 15% على الأقل، وتقليل نسب حرق الغاز من جميع مرافق التنقيب والإنتاج بأكثر من 75%. علاوة على ذلك، تستهدف الاستراتيجية وقف الحرق الروتيني للغاز بحلول عام 2030، والحد من انبعاثات غاز الميثان المتسربة على طول سلسلة إنتاج الغاز من خلال تحديد نسبة 0.2% كهدف لكثافة غاز الميثان من جميع المرافق بحلول عام 2025.

وأعلنت المملكة العربية السعودية في نوفمبر 2021 عن تدشين “مبادرة السعودية الخضراء” و”مبادرة الشرق الأوسط الأخضر”. وتعهدت المملكة بالحد من الانبعاثات الكربونية، وزراعة 50 مليار شجرة، وحماية الطبيعة في الأرض والبحر. وتهدف مبادرة السعودية الخضراء إلى إعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، وزيادة نسبة المناطق المحمية في أرجاء المملكة إلى أكثر من 30% من إجمالي مساحة الأراضي. وفي “منتدى مبادرة السعودية الخضراء” في أكتوبر 2012، أُعلن عن الحزمة الأولى المكونة من أكثر من 60 مبادرة، تمثل استثمارات بقيمة 700 مليار ريال سعودي (186.6 مليار دولار) للمساهمة في نمو الاقتصاد الأخضر. وتتضمن تلك المبادرات ما يلي:

- مشروع لاستعادة البيئة في محمية شرعان الطبيعية، الذي يستهدف استعادة 100 هكتار، لكي تستخدم “كمختبر طبيعي” لاختبار عدة منهجيات لإعادة التأهيل البيئي في البيئة الجافة.

- المشروع التجريبي لزراعة أشجار المانجروف في ميناء جدة الإسلامي، من أجل المساهمة في تنظيف مياه البحر، وإثراء التنوع البيولوجي، واستعادة الحياة المائية.

- دراسة على برنامج زراعة 10 مليارات شجرة، تساهم في تخفيف أثر مخاطر التغير المناخي عن طريق زيادة الغطاء النباتي، وحماية التربة والغطاء النباتي من التدهور، وتحسين جودة الهواء.

في مارس2022، أعلن صندوق الاستثمارات العامة عن أول شركاء السوق الطوعية لتداول الائتمان الكربوني في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتشمل القائمة كلًّا من: أرامكو السعودية، والخطوط السعودية، وشركة أكوا باور، وشركة معادن، وشركة “إنوا” التابعة لنيوم.

لقد بدأت المنطقة أولى خطواتها في مسيرة إنشاء مشروعات مستدامة في عام 2006، وكان من أبرز تلك المشروعات؛ “مدينة مصدر” في أبوظبي، التي تضم مجمعًا متناميًا للتقنيات النظيفة، ومنطقة تجارية حرة، وحيًّا سكنيًّا يشمل مطاعم ومتاجر تجزئة ومنتزهات خضراء. وقد استثمرت شركة “مصدر” ما يزيد عن 1.7 مليار دولار من الأسهم في مختلف مشروعات المدينة، مع التركيز على التقنيات المتطورة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بقيمة إجمالية تتجاوز 6.4 مليار دولار. في حين طورت الكويت “حديقة الشهيد” التي تبلغ مساحتها 20 هكتارًا على أربع مراحل متتالية في الفترة بين عامي 2013-2017، لاستعادة وتجديد جزء من “الحزام الأخضر” السابق، وهو عبارة عن سلسلة من الحدائق التي شُيدت في الفترة بين 1961-1964 بين مدينة الكويت القديمة وامتدادها العمراني. وتعد محطة “ظُفار لطاقة الرياح” أول مشروع لتوليد الطاقة من الرياح في عٌمان، إذ تبلغ قدرتها الإنتاجية 50 ميجاوات، وقد تم تشغيل المحطة لأغراض تجارية في عام 2019. بينما أطلقت المملكة العربية السعودية مشروع “حديقة الملك سلمان” في عام 2019، والتي ستكون أكبر حديقة حضرية في العالم فور الانتهاء منها، إذ تبلغ مساحتها 13.3 كيلومترًا مربعًا وتقام على أرض مطار الرياض القديم.

الشكل رقم (12): البنية التحتية الخضراء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحسب فئة المشروع بين عامي (2012-2021) (بالنسبة المئوية)

ويكشف تقييم قِيمة مشروعات البنية التحتية المستدامة في دول مجلس التعاون الخليجي ومصر بين عامي 2012-2021 -كما هو مبين في الشكل رقم (13)– ارتفاع تلك القيمة من مستويات منخفضة نسبيًا بلغت نحو 412 مليون دولار في عام 2012، إلى 13.6 مليار دولار في عام 2013، ثم إلى 75.464 مليار دولار في عام 2015، إلى أن بلغت ذروتها عند 500 مليار دولار في عام 2017. وبعد عدة سنوات من الركود، عادت القيمة لترتفع إلى 175.28 مليار دولار في عام 2021 . وتعكس القمم في الشكل البياني رصد مخصصات كبيرة لتمويل مدينة "نيوم" في المملكة العربية السعودية (500 مليار دولار) ومشروع "ذا لاين" (150 مليار دولار) وشبكة القطار الكهربائي السريع في مصر (23 مليار دولار).

الشكل رقم (14): قيمة مشروعات البنية التحتية المستدامة في دول مجلس التعاون الخليجي ومصر بين عامي (2012-2021) (بالمليون دولار)

وقد أجرى محررو هذا التقرير استبيانًا للبنية التحتية الخضراء بحسب نوع المشروع في الفترة بين عامي 2012-2021. وجد أن المدن الخضراء هي المستفيد الأكبر من استثمارات البنية التحتية الخضراء بنسبة (88.71٪). وتقدم هذه النتيجة مؤشرًا واضحًا على أن المدن الجديدة، مثل مدينة “مصدر” والمدن الخضراء قيد الإنشاء مثل “نيوم”، سوف تستقطب الاستثمارات والموارد بعيدًا عن المدن القديمة التي تسعى إلى تخضير البنية التحتية. ويعين الشكل رقم (12) -الذي يقسّم البنية التحتية الخضراء وفقًا لنوع المشروع– قيمًا شديدة الانخفاض لمشروعات الطاقة المتجددة (3.16%) والنقل (7.34%) والمياه (0.01%) والصرف الصحي (0.09%) وإدارة النفايات (0.52%) والمساحات العامة الخضراء (0.15%). وتكشف هذه النتائج المخاطر المتعلقة بتركيز مشروعات البنية التحتية المستدامة في المدن الخضراء بشكل رئيسي، وقد ترجع العوامل المسببة لذلك إلى زيادة المشروعات الجديدة لتخضير المدن الكبرى، مثل الرياض ومسقط والقاهرة والكويت.

الشكل رقم (13): قيمة مشروعات البنية التحتية المستدامة في دول مجلس التعاون الخليجي ومصر بين عامي (2012-2021) (بالمليون دولار)

وتعزز النتائج الواردة في الشكل رقم (14) التحليلات المستمدة من الشكلين رقم (19) و(20). حيث تهيمن صناديق الثروة السيادية -ولا سيّما صندوق الاستثمارات العامة السعودي- على نمط ملكية المشروعات المستدامة في المنطقة. فقد استحوذت الصناديق السيادية على نسبة 83.6%، والقوات المسلحة على 5.8%، والهيئات الحكومية على 4.3%، في حين تمتلك الشركات العامة الحصة المتبقية من المشروعات (3.5%).

دُشنت حديقة الملك سلمان في مارس عام 2019 ضمن مشروع بقيمة 23 مليار دولار لإنشاء مساحات خضراء واسعة ومفتوحة في الرياض، والتي من شأنها تمكين المجتمعات المستدامة، وتوفير ما يصل إلى 70,000 وظيفة جديدة، ودفع عجلة العمل لمواجهة التغيرات المناخية.

وتهدف الحديقة -التي صممتها “شركة العمرانية” وتديرها “مؤسسة حديقة الملك سلمان”- إلى تحسين جودة حياة السكان والزوار بما يتماشي مع تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 لمجتمع حيوي وصحي. ويركز تصميمها على إتاحة تعدد الاستخدام، ودمج الحديقة مع محيطها الحضري، فضلاً عن توفير عدد من المرافق الرياضية والثقافية والفنية والترفيهية. وسوف تكون أكبر حديقة حضرية في العالم فور الانتهاء منها، إذ تمتد على مساحة خمسة أميال مربعة، كما ستضم مليون شجرة، ومساحات خضراء تمتد لأكثر من 11.6 كيلومتر مربع. ومن المتوقع مساهمة الحديقة في زيادة الغطاء النباتي وزيادة نصيب الفرد من المساحات الخضراء، مع تحقيق مزايا بيئية ومناخية مباشرة.

تقام الحديقة على أرض المطار القديم في الرياض، ويمكن لجميع سكان المدينة الوصول إليها في غضون ثلاثين دقيقة، كما سيجرى ربطها بخمس محطات مترو جديدة وعشر محطات حافلات سريعة؛ كما تضم مسارات للمشي، وركوب الدراجات، ووسائل النقل العام ذاتية القيادة والمستدامة.

وبدأت أعمال البناء بعقود تقدر قيمتها بـ 1.02 مليار دولار، كانت قد خُصصت مؤخرًا لمجموعة من الشركات الوطنية للشروع في تنفيذ أجزاء من المشروع. وسوف تشكل الحديقة، بحلول موعد افتتاحها بين عامي 2024-2025، جزءًا من الاستراتيجية الأكبر المتمثلة في “تخضير” الرياض لخفض درجة حرارتها بمقدار درجتين مئويتين.

محطة المحسمة لمعالجة وتدوير وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي

افتتحت محطة المحسمة لمعالجة وتوزيع المياه، المتوَّجة بعدد من الجوائز، بقيمة 100 مليون دولار في أبريل 2021. وقد تم الانتهاء منها خلال عام واحد فقط، وتعد واحدة من أكبر محطات معالجة المياه المستعملة في العالم، وسوف تساهم بشكل كبير في مكافحة مشكلة ندرة المياه في مصر. وصممت المحطة، التي تقع على ضفاف قناة السويس بمحافظة الإسماعيلية، بهدف الحفاظ على المنظومة الطبيعية لبحيرة التمساح -غرب قناة السويس- وإنقاذها من حالة التدهور البيئي التي وصلت إليه، حيث أصبحت ملوثة بشدة نتيجة التخلص من مياه الصرف الزراعي في البحيرة. وأنشئت المحطة بشكل رأسي لتحقيق أقصى استفادة من المساحة، وتستطيع معالجة ما يصل إلى مليون متر مكعب من المياه يوميًا -لا سيّما مياه الصرف الزراعي. وسوف تروي المياه المعالجة 70,000 فدان من الأراضي في وسط سيناء كما سوف تستخدم في مشروعات استصلاح الأراضي.

وتشكل المحطة جزءًا أساسيًا من استراتيجية القاهرة لتنمية سيناء من خلال إنشاء مجتمعات عمرانية مستدامة، وتوفير فرص عمل، بالإضافة إلى تنمية الأراضي الزراعية. وتعود ملكية المشروع للحكومة المصرية والهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة المصرية. صُممت المحطة وتُدار من قبل “شركة خطيب وعلمي”، في حين قام تحالف شركتي “ماتيتو” العالمية و”حسن علام للإنشاءات” بالأعمال الإنشائية للمشروع.