أدت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أكبر منتجي للقمح في العالم، إلى تعطيل طرق الإمداد الحيوية في البحر الأسود مع نشوء آثار مدمرة محتملة على البلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي في الشرق الأوسط. ومع عدم ظهور بوادر تُذكَر على تراجع الصراع، أبرمت الأمم المتحدة والحكومات الإقليمية صفقات لمحاولة الحفاظ على إرسال الحبوب، واتخذت تدابيراً لدعم السكان الذين يعتمدون على الواردات. وتشمل هذه الإجراءات تعهّدات من قادة دول الخليج العربية بتعزيز الأمن الغذائي واتفاقات مع مصر لتنويع إمدادات القمح بمشتريات جديدة من أوروبا. إنما لم يتضح إلى الآن ما إذا كانت هذه الجهود ستنجح في تجنب أزمة الغذاء الإقليمية مع استمرار ارتفاع أسعار النفط والسلع الأساسية الأخرى.

منذ غزو روسيا لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير، تعرضت الموانئ الأوكرانية للحصار إذ يتهم كل منهما الآخر بزرع ألغام في البحر الأسود. وقد شكّل هذا خطرًا غير مسبوق على مشغلي السفن الذين يسعون إلى تحميل زيت بذور القمح والشعير وعباد الشمس من موانئ أوكرانيا، ما أجبر شركات الشحن على وقف عملياتها. ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار السلع الأساسية في جميع أنحاء العالم، وتعرّضت عمليات التوريد بالفعل لضغوط بسبب جائحة كوفيد19 (COVID-19) لصدمات أخرى. وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، تمثل الإمدادات الروسية والأوكرانية نحو ثلث إنتاج القمح في العالم، وربع إنتاج الشعير و٪75 من إمدادات زيت عباد الشمس.

يعتمد الشرق الأوسط بشكل كبير على الواردات لتحقيق الأمن الغذائي ولديه إنتاج زراعي ضئيل نسبيًا، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى ندرة المياه ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة. لقد اشترت المنطقة في الماضي كميات كبيرة من القمح وزيت بذور عباد الشمس وغيرها من المواد الغذائية الأساسية من روسيا وأوكرانيا. إذ تشتري لبنان ومصر وليبيا وعمان والسعودية واليمن وتونس والأردن والمغرب ٪30 على الأقل من مؤونة القمح من أوكرانيا وروسيا، وفقًا لمنظمة الفاو.

تعتمد بعض دول المنطقة على الاستيراد أكثر من غيرها، مع تزايد المناطق التي تتعرض لضغوط التضخم العالمية المستمرة. وتواجه دول أخرى حالات جفاف شديدة أدت إلى زيادة الطلب على الواردات. ومن المرجح أن تتضرر اليمن وسوريا ولبنان ومصر ومنطقة شمال إفريقيا الأوسع نطاقاً مع استمرار الاضطرابات في إمدادات الحبوب الروسية والأوكرانية. وتعدّ مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، إذ تستورد ما بين 12 و 13 مليون طنًا سنويًا. وأصبحت الدولة تعتمد على نحوٍ متزايد على الواردات لإطعام 105 ملايين نسمة، التي تتزايد بنسبة ٪1.9 سنويًا. كانت البلاد، قبل الحرب تحصل على أكثر من ٪70 من إمداداتها من القمح من البحر الأسود. ويحصل اليمن، منفرداً، الذي يواجه أكثر من ثلث سكّانه حالات طارئة ومُلحة من انعدام الأمن الغذائي، على ما يقرب من ٪45 من واردات القمح من روسيا وأوكرانيا.

جعلت الحرب موضوع الأمن الغذائي يتصدّر الأجندة العالمية. لقد استضاف الرئيس الأمريكي جو بايدن قمة الأمن الغذائي في أيلول 2022 لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ أعلن عن برنامج المساعدات الغذائية العالمية بقيمة 2.9 مليار دولار. وجاء ذلك بعد أن أعلن بايدن، في أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية في تموز 2022، عن مساعدة جديدة للأمن الغذائي بقيمة مليار دولار للشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وإضافة إلى ذلك، التزمت جميع الدول الأعضاء أثناء انعقاد قمة مجموعة السبعة (G7) في يونيو، بمبلغ 5 مليارات دولار لتحسين الأمن الغذائي العالمي، قائلةً إن التمويل سيكافح الجوع في 47 دولة.

كما اتخذت بلدان المنطقة خطواتها الخاصة للتصدي لانعدام الأمن الغذائي. ففي أثناء زيارة الرئيس بايدن إلى الرياض في تموز 2022، تعهّد قادة دول مجلس التعاون الخليجي بدفع أكثر من 3 مليارات دولار على مدى عامين لتمويل المشاريع التي تتوافق مع البنية التحتية العالمية والاستثمار مع الولايات المتحدة. وسلّط بايدن الضوء على أهمية حماية حرية الملاحة عبر الممرات المائية في الشرق الأوسط، ليسمح بتدفق التجارة والموارد في جميع أنحاء المنطقة. وكما قال الرئيس بايدن إن واشنطن أنشأت فرقة عمل بحرية جديدة للشراكة مع دول الشرق الأوسط للمساعدة في تأمين ممر البحر الأحمر، الذي تعرّض أمنه لمراقبة مضاعفة وسط عرقلة الإمدادات في البحر الأسود.

حصلت مصر في شهر يوليو على تمويل بقيمة 500 مليون دولار من البنك الدولي لتعزيز الأمن الغذائي وسط نقص الإمدادات بسبب الوباء وحرب أوكرانيا، وهذا التمويل سيدعم بصورة أساسية مشتريات البلاد من القمح. وتبحث القاهرة أيضًا عن موردين مختلفين للقمح لتقليل اعتمادها على الحبوب الروسية والأوكرانية. وفي يونيو، نفّذت مصر أكبر عملية شراء للقمح منذ عشر سنوات، حيث اشترت من فرنسا وبلغاريا ورومانيا. وفي يونيو أيضًا، وافقت القاهرة على شراء 180 ألف طن من القمح من الهند. إذ تعتمد القاهرة كثيراً على القمح لإنتاج الخبز المدعوم المتاح لأكثر من ثلثي سكّانها.

كما بذلت العديد من الأطراف جهوداً في معالجة الأمن الغذائي في المنطقة. وأعلنت مجموعة البنك الإسلامي للتنمية ومقرّها جدة، وهي مؤسسة تمويل تنموية تضم في عضويتها 57 دولة، في تموز عن تمويلٍ بقيمة 10.54 مليار دولار للأمن الغذائي. ويهدف البرنامج إلى تعزيز قدرة الأعضاء على الصمود في مواجهة اضطرابات الأمن الغذائي، ويصل إلى ما يقارب 3.2 مليار دولار لدعم الأغذية الضرورية والإمدادات الزراعية الأخرى. 

 سعت الأمم المتحدة وجهات أخرى إلى المساعدة في تأمين ممرات التجارة في البحر الأسود. وأسفرت هذه الجهود عن اتفاق 24 يوليو بين كييف وموسكو، بوساطة من تركيا والأمم المتحدة، أدى إلى استئناف بعض صادرات الحبوب من الموانئ الأوكرانية. وتبنّت الاتفاقية التي مدتها أربعة أشهر كخطوة إيجابية لتخفيف ضغوط الأمن الغذائي العالمي. ومع ذلك، فإن الصفقة، التي تتطلب التجديد في 19 نوفمبر، تبدو ضعيفة جداً. وفي 29 أكتوبر، قالت روسيا إنها علّقت مشاركتها في الاتفاق بسبب ما ادّعت أنها هجمات أوكرانية على أسطولها في شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا. ورفضت أوكرانيا ذلك ووصفته أنه ذريعة كاذبة لإنهاء الاتفاقية. وبعد تدخل تركيا، استأنفت موسكو في 2 نوفمبر مشاركتها في الصفقة، قائلةً إنها تلقّت تأكيدات أن كييف لن تستخدم ممر البحر الأسود لشن هجمات على المصالح الروسية. وتسلّط الضوء باستمرار على صعوبة إبرام اتفاقيات ممر آمن في منطقة معرّضة لنشوب حرب سريعة التفاقم.

ستواصل الحكومات والشركات الإقليمية مراقبة الوضع الأمني ​​في البحر الأسود عن كثب في أثناء سعيها لحماية إمدادات الحبوب. وسيراقبون عن كثب ما إذا كانت الأمم المتحدة وغيرها ستنجح في تأمين تجديد اتفاق ممر الحبوب بحلول الموعد النهائي في 19نوفمبر. وقد يكون بقاء المعاهدة أو زوالها بمنزلة اختبار حقيقي بشأن جدوى الجهود الدبلوماسية لتجنب الجوع العالمي في أثناء الحرب.